برنامج الدعم الاجتماعي المباشر بالمغرب: من التفعيل التدريجي إلى آفاق التجويد والشمولية


يكشف هذا المقال الشامل مراحل تطور برنامج الدعم الاجتماعي المباشر في المغرب، ويستعرض أبرز التحديات التي تواجهه، ويقدم توصيات عملية لتعزيز فعاليته وضمان وصوله إلى الفئات المستهدفة، مع التركيز على أهمية الرقمنة والشفافية في بناء دولة اجتماعية قوية.

أيدي متكاتفة ترمز للدعم الاجتماعي

يُعد ورش الدعم الاجتماعي المباشر في المغرب أحد الركائز الأساسية للمشروع الملكي الرامي إلى بناء الدولة الاجتماعية، وهو يمثل نقلة نوعية في سياسات الحماية الاجتماعية. على الرغم من التقدم الملحوظ في تفعيله، لا يزال البرنامج في مرحلة التدرج، مما يستدعي تقييمًا مستمرًا وتكييفًا مع الواقع الاجتماعي والاقتصادي للمستفيدين. يهدف هذا المقال إلى تسليط الضوء على الإنجازات المحققة والتحديات القائمة، مع تقديم توصيات لتعزيز فعالية هذا الورش الحيوي وضمان استدامته وشموليته.


أولاً: الدعم الاجتماعي المباشر: أهداف طموحة ونتائج مبدئية

برنامج الدعم الاجتماعي المباشر ليس مجرد مبادرة لتقديم مساعدات مالية، بل هو مشروع استراتيجي يهدف إلى تقليص نسب الفقر والهشاشة، الحد من الفوارق الاجتماعية، والاستثمار في الرأسمال البشري، خاصة في الطفولة المبكرة. لقد بدأ تفعيل هذا البرنامج في نهاية دجنبر 2023، ويستهدف ملايين الأسر المغربية، مع تخصيص مبالغ مالية تختلف حسب تركيبة الأسرة وعدد الأطفال، بهدف توفير دخل شهري يحفظ كرامة هذه الأسر ويضمن لهم حدا أدنى من العيش الكريم.

مؤشرات إيجابية في بداية الطريق

لقد أظهرت الدراسات الأولية ومؤشرات الرضا الاجتماعي مستويات عالية من التقبل والرضا لدى الفئات المستفيدة من البرنامج. تشير التقديرات إلى أن البرنامج قد ساهم بشكل ملموس في تحسين الظروف المعيشية للعديد من الأسر، وخصوصاً تلك التي كانت تعتمد على أنشطة موسمية أو تعاني من الهشاشة. كما أن الشفافية في مسار معالجة الطلبات، رغم بعض التعقيدات التقنية، لقيت استحساناً واسعاً، مما يعكس الثقة في هذا المشروع الوطني.


ثانياً: التحديات القائمة أمام التفعيل الكامل

على الرغم من النجاحات الأولية، تواجه عملية التفعيل التدريجي لبرنامج الدعم الاجتماعي المباشر مجموعة من التحديات التي تتطلب معالجة فورية لضمان فعاليته القصوى. هذه التحديات يمكن تلخيصها في عدة محاور رئيسية:

  • الولوج الرقمي وتبسيط المساطر: يعاني عدد كبير من المستفيدين، خاصة في المناطق القروية والنائية، من صعوبة الولوج إلى المنصات الرقمية المخصصة للتسجيل والتحقق من وضعية الدعم. هذا يتطلب تبسيط الإجراءات الرقمية وتوفير دعم مباشر ومحلي لمساعدة هذه الفئات.
  • التوعية والتواصل الفعال: لا تزال هناك حاجة ماسة لتعزيز قنوات التواصل وتكثيف حملات التوعية، لضمان وصول المعلومات الصحيحة والكاملة حول شروط الاستفادة وآليات التقديم إلى جميع الفئات المستهدفة، وتفادي الشائعات أو المعلومات المغلوطة.
  • التنسيق بين البرامج الاجتماعية: يمثل التنسيق بين برنامج الدعم الاجتماعي المباشر والبرامج الأخرى للحماية الاجتماعية (مثل التغطية الصحية الإجبارية "AMO تضامن") تحديًا لضمان عدم التداخل وتكامل الخدمات، بما يحقق أقصى استفادة للمواطنين.
  • تحيين البيانات واستدامة الأهلية: من الضروري تطوير آليات مرنة وسريعة لتحيين بيانات المستفيدين بشكل فوري، لمواكبة التغيرات التي قد تطرأ على وضعيتهم الاجتماعية أو الاقتصادية، وضمان استمرار الدعم لمن يستحقه ووقف الدعم عن من أصبح لا يستحقه.
  • ضمان التمويل المستدام: على المدى الطويل، يتطلب ضمان استمرارية هذا البرنامج الضخم إيجاد مصادر تمويل مستدامة ومنصفة، بعيدًا عن أي تبعات سلبية على المالية العمومية.

ثالثاً: توصيات لتعزيز فعالية برنامج الدعم الاجتماعي المباشر

بناءً على التحديات المذكورة، وبعد مراجعة توصيات العديد من الهيئات الوطنية والدولية، نقدم مجموعة من التوصيات التي من شأنها أن تسهم في تجويد أداء برنامج الدعم الاجتماعي المباشر وتحقيق أهدافه النبيلة:

أ. تعزيز آليات القرب والمساعدة المباشرة:

  • تطوير آلية مساعدة اجتماعية للقرب: يجب التركيز على تعزيز التواصل المباشر مع المواطنين، خصوصًا في المناطق النائية والبعيدة. يمكن تحقيق ذلك من خلال إنشاء مراكز دعم محلي، أو توفير فرق متنقلة تصل إلى هذه المناطق لتقديم المساعدة في التسجيل وتوضيح الإجراءات.
  • إشراك السلطات الترابية والجمعيات: ينبغي تفعيل دور الامتدادات المحلية من سلطات ترابية (عمالات، ولايات، جماعات محلية) والجمعيات المدنية في مواكبة الأسر في جميع مراحل الاستفادة من البرنامج، بدءًا من التسجيل في السجل الاجتماعي الموحد وصولاً إلى تتبع صرف الدعم. هذا يعزز الشراكة بين الدولة والمجتمع المدني.
  • تمكين الجمعيات المحلية من ابتكار آليات مساعدة رقمية: يمكن دعم الجمعيات المحلية لتطوير حلول مبتكرة لمساعدة الفئات التي تعاني من ضعف في الثقافة الرقمية أو نقص في البنية التحتية، لتمكينهم من الولوج إلى المنصات الرقمية دون عوائق.

ب. تبسيط الإجراءات وتعزيز الشفافية:

  • تبسيط المساطر الرقمية: العمل على جعل عملية التسجيل والاستعلام عبر البوابة الإلكترونية www.asd.ma أكثر سهولة ويسرًا، مع توفير واجهات استخدام بسيطة وواضحة، مع إمكانية استخدام الهواتف الذكية.
  • توفير قنوات متعددة للاستعلام: بالإضافة إلى المنصة الإلكترونية، يجب تفعيل قنوات أخرى للاستعلام عن حالة الطلبات، مثل الرسائل النصية (SMS)، ومراكز الاتصال الهاتفي المخصصة، ومكاتب "دار المواطن" في المناطق الحضرية والقروية.
  • تعزيز الشفافية في عملية الاستهداف: يجب الاستمرار في تعزيز الثقة في شفافية معالجة الطلبات ومعايير الاستفادة، وتوفير معلومات واضحة حول كيفية احتساب عتبة الاستفادة والتنقيط في السجل الاجتماعي الموحد.

ج. ربط الدعم بالتنمية البشرية والتمكين الاقتصادي:

  • إطلاق برامج للتمكين الاقتصادي: يجب أن يتجاوز البرنامج مجرد تقديم المساعدة المالية إلى إطلاق برامج موازية للتمكين الاقتصادي وتنمية القدرات، التي تمكن المستفيدين من الخروج التدريجي من وضعية الهشاشة وتحقيق الاعتماد على الذات. يمكن أن يشمل ذلك برامج التدريب المهني، ودعم المشاريع الصغرى، وتوفير فرص العمل.
  • الربط بين الدعم والخدمات الاجتماعية الأساسية: الاستمرار في ربط الدعم بشروط مرتبطة بتحسين مؤشرات التنمية البشرية، مثل تمدرس الأطفال ومتابعة النساء الحوامل للفحوصات الطبية، لضمان استثمار الدعم في مستقبل الأجيال.

د. تطوير التنسيق المؤسساتي:

  • إطار موحد لملاءمة البرامج: تطوير إطار موحد يضمن ملاءمة وتكامل برنامج الدعم الاجتماعي المباشر مع باقي برامج ورش الدولة الاجتماعية، لتفادي الازدواجية وضمان تغطية شاملة وفعالة.
  • تنسيق البيانات: تعزيز التنسيق وتبادل البيانات بين مختلف المؤسسات المعنية بالدعم الاجتماعي، لتحديث المعلومات بشكل دوري ودقيق، وضمان استهداف فعال للفئات الأكثر احتياجًا.
معلومة مفيدة: تحديث بياناتك في السجل الاجتماعي الموحد والسجل الوطني للسكان بشكل دوري يضمن استمرار أهليتك للدعم ويجنبك أي توقف غير مرغوب فيه في صرف المساعدات.

رابعاً: آفاق مستقبلية لبرنامج الدعم الاجتماعي المباشر

يمثل برنامج الدعم الاجتماعي المباشر حجر الزاوية في بناء دولة اجتماعية حديثة في المغرب. ومع استمرار تفعيله، تتجه الأنظار نحو آفاق تطويره وتوسعته ليشمل فئات أوسع من المجتمع، ويعزز مبادئ العدالة الاجتماعية والمجالية. التحدي الأكبر يكمن في تحويل الدعم من مجرد مساعدة مالية إلى أداة تنموية حقيقية، تمكن المستفيدين من الانخراط في الدورة الاقتصادية وتحقيق الاكتفاء الذاتي.

من المتوقع أن يشهد البرنامج خلال السنوات القادمة دمج شرائح جديدة من الفئات الهشة، مثل المطلقات وكبار السن الذين لا يستفيدون من أي أنظمة تقاعد، وربط الدعم ببرامج التدريب المهني التي تساهم في إدماج الشباب في سوق العمل. هذه الخطوات ستعزز من استدامة البرنامج وأثره على المدى الطويل.


خاتمة

إن ورش الدعم الاجتماعي المباشر في المغرب مشروع طموح يجسد الإرادة السياسية لبناء مجتمع أكثر عدلاً وتضامناً. وعلى الرغم من كونه لا يزال في مرحلة التفعيل التدريجي، فإن التقدم المحرز يستدعي التفاؤل بمستقبله. يتطلب تحقيق أقصى استفادة منه التزامًا مستمرًا بتحسين آليات الولوج، تعزيز الشفافية، وربط الدعم ببرامج التمكين الاقتصادي. إن العمل المشترك بين الحكومة والمواطنين والمجتمع المدني هو السبيل الأمثل لضمان نجاح هذا الورش الحيوي وتحويله إلى نموذج يُحتذى به في تحقيق التنمية البشرية المستدامة.


📌 مقالات مشابهة تهمك:

إرسال تعليق

أحدث أقدم